الرياضة بمفهومها العام أمر إيجابي جداً بلا أدنى شك سواءً كان ذلك من الناحية الصحية أو من الناحية الاجتماعية أو حتى من خلال إشباع اهتمامات الشباب على وجه الخصوص وشغل أوقات فراغهم بما يفيدهم وبالتالي بما يفيد مجتمعهم ووطنهم ولقد راعت الدولة هذه الجوانب مجتمعه بشكل مكثف ومؤثر وما نشهده هذه الأيام في حال الرياضة السعودية لهو خير شاهد على ذلك سواءً من خلال الدعم المادي الكبير الذي تمنحه الدولة للرياضة أو من خلال تحفيز الدولة لمختلف شرائح المجتمع إما للمشاركة في الرياضة أو المتابعة لها فمثلاً تم السماح بحضور العائلات للملاعب الرياضية كجانب ترفيهي توفره لهم وكذلك فتح المجال أمام المشاركة النسائية في الرياضة في ظل ضوابط محددة وكل هذه الأمور أمور إيجابية جداً بلا شك ولكن ما بدأنا نلحظه هو تفاقم دور سلبي مضرّ جداً لتماسك المجتمع ووحدته يتعلق هذا الدور بالميول الرياضي المبالغ فيه والذي نرى بعض آثاره السلبية حين تشارك مجاميعنا الرياضية في محافل دولية تمثل فيها البلد خارجياً وعلى وجه الخصوص مجاميع كرة القدم بحكم أن هذه الرياضة هي أكثر رياضة تلقى رواج كبير في المجتمع واهتمام يكاد يكون طاغي على غرار غيرها من الرياضات.
إن التنافس الشريف بين البشر في حد ذاته أمر فطري ومحمود ويمارسه الجميع في شتى مجالات الحياة ودون شك المجال الرياضي يحتل مرتبة متقدمة في سُلّم هذه المجالات إلا أن المؤشرات الحالية فيما يتعلق بالميول الرياضي والغلوّ فيه عند شريحة عريضة من متابعي كرة القدم في بلدنا أصبح في نظري هو السائد مبتعداً معظم هؤلاء المتابعين عن التنافس الطبيعي المحمود والميول الرياضي المألوف تجاه هذا النادي أو ذاك وأعزو سبب ذلك إلى عدة عوامل أولها وأهمها عامل الإعلام الرياضي الذي أرى أن كثير من منسوبيه يؤججون التعصب الأعمى ويغذّون عند من يتابعهم وأخصّ صغار السن منهم خصلة التهجم على الآخر ونسج الخيالات السلبية حول نهجه وأساليبه وحقيقة مستواه فنرى الكثير من هؤلاء الإعلاميين الذين يقودهم ميولهم الرياضي المفرط إلى التعصب وإلى نشر هذا التعصب واتهام المنافس بأمور غالباً لا يملكون أي دليل عليها، الأمر الذي ينعكس سلباً على من يستمع لهم ويتأثر بهم والذي غالباً يمنعه تدني وعيه عن مطالبتهم بالدليل على مدى صحة ما يقولوه، العامل الثاني يتعلق بمنسوبي الأندية أنفسهم الذين يُسهم تعصبهم ومحاولة تبرير فشلهم وهو السبب الرئيسي في معظم الأحيان في إذكاء نار الضغينة ضد المنافس في نفوس الشباب تحديداً وهم كما نعلم شريحة يغلب عليها الحماس والاندفاع نتيجة صغر سنّها وقلة تجربتها والعامل الثالث والأخير من وجهة نظري هو المجتمع نفسه الذي يتقبل مثل هذه التشنجات ولا يعترض عليها بل أن الكثير منهم تعود عليها ويمارسها في مجالات أخرى عديدة غير الرياضة تجعله لا يرى في مثل هذه الممارسات سلبية يجب التخلص منها وهنا يأتي الدور الوحيد الذي أرى بأنه وحده الكفيل بالقضاء على سلبية الغلوّ في الميول الرياضي أو على الأقل تقليص أثره السلبي ويتمثل هذا الدور في تدخل صانع القرار في فرض ضوابط مشددة على مثل هذه الممارسات وتكثيف الجرعات الإعلامية المنددة بمثل هذه السلوكيات ولا مانع أن يُصار إلى سنّ عقوبات على كل من يتجاوز هذه الضوابط أياً كانت صفته أو منصبه وليس هنالك أي حرج في ذلك فجميع شؤوننا تحتاج إلى قوانين وأنظمة تحكم ممارسة هذه الشؤون وتعاقب كل من يسيء ممارستها أو يستغل منصبه للتحايل عليها.
الرياضة كمفهوم وممارسة أمر إيجابي جداً كما ذكرت بل مطلوب ونشر ثقافتها أمر أصبح في غاية الأهمية فنحن نرى كيف أن المجتمعات المتقدمة تُولي الرياضة أهمية كبرى ومعظم شرائحها تمارسها وتتفاعل معها بشكل يومي لذا يجب علينا توسيع هذا المفهوم ونشره ولكن يجب في الوقت ذاته وضع ضوابط وقوانين تحكم كيفية التعامل معه وكيفية ترجمته إلى واقع مُعاش.
ahmed_baniqais@